رسمت مريمة العراقي عميد الشرطة الممتاز، بعملها الدؤوب وجهدها ومثابرتها في التدرج في مختلف مناصب المسؤولية، مسارا متميزا في أسلاك الشرطة القضائية لمحاربة العنف ضد النساء.
بداية قصة العميد مريمة التي رأت النور سنة 1972 مع العمل في سلك الشرطة، كانت سنة 1999 حين التحقت بصفوف الأمن الوطني كمسعفة شرطة، حيث لم يكن النظام الأساسي في تلك الفترة يسمح بولوج الإناث إلى رتب أعلى، وكان يسمح لهن فقط بولوج سلكي مسعفات الشرطة ومسعفات الشرطة الممتازات، والمساعدات ومساعدات الشرطة الممتازات.
وبالرغم من أنها كانت حاصلة على الإجازة في العلوم الاقتصادية، فقد التحقت بسلك مسعفات الشرطة، حيث اجتازت تدريبا لمدة 19 شهرا بالمعهد الملكي للشرطة، واشتغلت بعد ذلك في تنظيم حركة المرور بمدينة القنيطرة، قبل أن تلتحق بأقسام الشرطة القضائية، حيث انطلقت مغامرتها لمناهضة العنف ودعم والإصغاء للنساء ضحايا العنف.
وسنة 2002 وبعد التعديل الذي طرأ على النظام الأساسي الخاص بالموظفين بالمديرية العامة للأمن الوطني، والذي سمح للإنات بالولوج إلى جميع درجات وأسلاك الشرطة، من حارس الأمن إلى والي الأمن، قامت العميد مريمة بالتسجيل في مباراة عمداء الشرطة، لتنجح بعد محاولتين متتاليتين، وبعد تشبثها بأمل تحقيق طموحها، في اجتياز مباراة العمداء.
وتقول العميد مريمة في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، « مثلت مرحلة عودتي إلى التدريب في صفوف المعهد الملكي للشرطة، فرصة بالنسبة لي لاختيار مسلك الشرطة القضائية من بين ثلاثة هي الأمن العمومي والاستعلامات العامة، حيث كنت أعشق الخوض في دروب التحقيق والبحث الجنائي، وحددت أهدفا عزمت على تحقيقها في مجال الشرطة القضائية .
وأشارت العميد مريمة، إلى أن التحاقها بمديرية الشرطة القضائية تزامن مع زخم على مستوى المساعي الرامية إلى مناهضة والقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، خاصة من خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء، ذاك الحدث الهام الذي حدد إطار عمل مديرية الشرطة القضائية في المجال من خلال نقط ارتكاز كانت تمثل المديرية في اللقاءات مع مختلف المتدخلين في القطاع.
وأضافت مريمة « كنت من المحظوظين لأني تابعت الحراك الاجتماعي والسياسي ضد العنف مذ كان في بداياته الأولى، حيث وقعت المديرية اتفاقية شراكة مع كتابة الدول المكلفة بالأسرة والأشخاص المعاقين آنذاك، والتي تنص مقتضياتها على خلق فضاءات لاستقبال النساء المعنفات، وتوفير خلايا مكونة تناط بها مهمة الإنصات والدعم النفسي ومتابعة ملفات النساء والأحداث ضحايا العنف، سواء تعلق الأمر بالعنف الجسدي أو الجنسي أو مشكل إهمال الأسرة أو الطرد من بيت الزوجية »
وفي إطار عملها كرئيسة لمصلحة الجرائم التي تهم الأسرة والأخلاق العامة، أبرزت مريمة أن المصلحة تعنى بالملفات والقضايا التي تندرج خارج اختصاصات مصالح الشرطة القضائية، حيث تعمل على تتبعها على المستوى المركزي، ودراستها درءا لأي إخلال على المستوى المسطري، إضافة إلى تجميع المعطيات الإحصائية الخاصة بالعنف ضد النساء والأطفال وكافة القضايا التي تدخل ضمن نطاق اختصاصاتها.
وشددت المتحدثة على أن التكوين المستمر عنصر هام في عمل الشرطة القضائية، « لأن تعاملنا يكون مع حالات إنسانية قبل التطرق إلى الجانب القانوني »، موضحة أنها تخضغ في إطار عملها لتكوينات متعددة، في سياق حرص المديرية على تكوين أطرها بشكل مستمر، خاصة في ما يتعلق بإدماج البعد السيكولوجي في عمل الخلية في معالجة القضايا التي تتواتر عليها.
وأضافت أن التكوين يشمل العنصر النسوي الحاضر بقوة ضمن تركيبة الشرطة القضائية، وذلك بالنظر إلى الثقة التي تحتاجها بعض حالات العنف الجنسي للقدرة على البوح على الخصوص خاصة في حالة الاعتداءات الجنسية، مؤكدة أن « بناء الثقة هو أول ما نركز عليه في وضعية النساء المعنفات والأطفال ».
ولم تخف العميد مريمة، وهي أم لطفلتين، صعوبة ومشاق التوفيق بين الحياة الشخصية والمهنية، مبرزة « أستمد القوة من أسرتي، وأحاول أن أوفق في مهامي قدر الإمكان، فبلوغ مناصب المسؤولية والمحافظة عليها أمر ليس بالهين، خاصة وأن طبيعة عملنا لا تحتمل الخطأ ».
وأكدت أن العنف جريمة مقرونة بجرائم أخرى، الشيء الذي يجعل عملها متشعبا يتداخل فيه العنف الأسري بالحنسي والنفسي، مضيفة أن للمرأة حضور قوي وضروري في أقسام الشرطة القضائية حتى من الناحية المسطرية، في التفتيش على سبيل المثال.
وأشارت إلى أن تقلد النساء لمناصب المسؤولية في أسلاك الشرطة يحمل أبعادا عدة تتمثل في المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، والمديرية العامة للأمن الوطني حريصة على تفعيل هذه الاستراتيجية، معربة عن أملها في معاينة مزيد من التألق للنساء في شتى المجالات.